نص الكلمة التي ألقاها جلالة الملك خلال مأدبة العشاء التي أقامها على شرفه الرئيس الفرنسي











باريس : الاثنين 20 مارس 2000
” الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه
السيد رئيس الجمهورية
أصحاب السعادة
أيتها السيدات أيها السادة
سوف يدرك الجميع هنا وفي هذه الأثناء المتميزة لماذا أستحضر في أولى كلماتي وأفكاري هذه جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته. ذلكم أن والدي المعظم قد توج الى جانبكم – سيادة رئيس الجمهورية – وعلى منصة احتفالات يوم 14 يوليوز الماضي أحد اخر أعمال عهده وأكثرها تأثيرا في النفس باختيار جلالته ذلكم العيد الذي هو عيد الحرية وحقوق الانسان لاعطاء بعد غير مسبوق لوحدة مثلنا وللثراء المميز لمصيرينا. في ذلكم اليوم – سيادة رئيس الجمهورية أيها السيدات والسادة – سما العمل السياسي والتعبير الديبلوماسي من خلال حقيقة الرجال ومن خلال القيم التي يعزونها أيما إعزاز. فعندما تقدم أفراد الحرس الملكي استعراض الجنود الفرنسيين في محج الشانزيليزي وعندما امتزجت نغمات النشيدين الوطنيين المغربي والفرنسي أدرك الشعبان المغربي والفرنسي مغزى ذلك أحسن إدراك. إن التقارب والحميمية الفريدين اللذين شعر بهما كل واحد منا دون أن يعرف أو يقدر دائما على التعبير عن ذلك تبلورا حينئذ بقوة وبمشاعر جياشة محدثين في أعماق بلدينا الاستجابة والمواقف التي توءسس لقوة ولشرعية شراكة مختلفة وطموحة ومبتكرة تنسجم مع ما يروم المغرب وفرنسا تطويره وإقامته معا في حظيرة المجموعة الأممية. ذلك هو المقصود بالضبط وذلك هو المشروع الذي أتجند له سيادة رئيس الجمهورية. ويبقى صحيحا أننا عندما نتفحص اليوم إطار وتفاصيل علاقاتنا سياسية كانت أو اقتصادية فانه بوسعنا أن نعبر عن ارتياحنا.
إن فرنسا تحتل مكان الصدارة في كل شيء بالمغرب. فهي أول مستثمر وأول زبون وأول دولة مانحة ويمكنني أن أتحدث عن مجالات أخرى لتعاوننا طالما عرفت نفس التميز والتألق في غالب الاحيان. وتحضرني هنا على الخصوص الخطوة الرائدة لفرنسا التي عرفت قبل غيرها كيف تحول جزءا من ديونها إلى استثمارات منتجة. وعلى العموم – وأسجل هذا بسعادة بالغة – فان المغرب هو اليوم في فرنسا أكثر قربا منكم وأكثر ألفة لدى جميع الفرنسيين من أي وقت مضى. ولا يسعني إلا أن أشيد في هذا الصدد بكل الذين نحن مدينون لهم بالجودة الرفيعة والنجاح الكبير الذي حققته تظاهرة ” زمن المغرب” تلكم التظاهرة التي أسدل الستار موءخرا على اخر أنشطتها والتي ساهمت بفعالية في التقريب بيننا من خلال التعريف بنا بصورة أفضل ومحظتنا التقدير الذي نستحق حتى نكون محبوبين أكثر. فمن الموسيقى إلى الأدب ومن الاقتصاد إلى الفكر كتبت مئتا مدينة فرنسية وءالاف التظاهرات صفحة أخرى من صفحات تاريخنا الحافل وقد فعلت ذلك بحب ومهارة.
إن هذه التظاهرة – أيتها السيدات أيها السادة – التي شكلت فترة رائعة في فرنسا لتجعلني أقول إن هذه المكتسبات لن يكون لها من معنى ولا استمرارية الا إذا وضعناها من الآن فصاعدا في أفق ودينامية شراكة إرادية وتضامنية ونموذجية في الوقت نفسه.
إن المشروع المجتمعي الذي بلوره المغرب والذي يواصل تطويره بانتظام يندرج في الواقع ضمن هذا المنطق وفي الفضاء الاستراتيجي ذاته والقيم العالمية نفسها التي هي بشكل عام قيم فرنسا والعالم الحديث. لكن نقاط الإلتقاء العميقة والبنيوية هاته المتجذرة في الكفاءة الإقتصادية التي تحدثت عنها قبل قليل في حاجة إلى مشروع شمولي اخر لكي تعطي أفضل ثمارها. كما أنها تتطلب تحديد إطار موءسسي جديد كفيل بالدفع بهذه العلاقة وجعلها تحقق الغاية المرجوة منها والتي نريدها علاقة متميزة وجوهرية.
السيد رئيس الجمهورية..
من هذه المقاربة ينبع اقناعي الراسخ بأن الأليات التقليدية للتعاون الثنائي التي تقوم وتتطور على أساسها روابطنا قد بلغت حدود فاعليتها. لقد كان عملنا معا من الجودة بحيث إن اللباس الذي صنعناه لأنفسنا لم يعد يتسع لنا. بل إنه لم يعد في جزء منه مسايرا للعصر إذا ما أخذنا بالحسبان أن بعض النصوص التي لا زالت تنظم التعاون بيننا تعود في حالات كثيرة إلى الستينيات. ويتعين علينا إذن من الان أن ننكب على تحديد وترشيد فضاء ثنائي اخر لكي نعطي لعلاقاتنا عمقا جديدا وقواعد عمل جديدة. كما يتعين علينا أن نضع معا معايير تقدير للأخطار المتبادلة التي سيكون علينا تحملها بحيث تكون مقاييس متلائمة بشكل أفضل مع واقع مغرب اليوم ومنسجمة انسجاما تاما مع الاهداف التي سنحددها لمستقبلنا.
إن هذا الإطار الذي سيكون علينا ابتكاره سيادة رئيس الجمهورية إذا وضعناه موضع التنفيذ وإذا أعطى الثمار المرجوة بحق منه باعتبار أصالته يمكن أن يكون إطارا نموذجيا. إنه لمسعى جريىء وقد يبدو مفتقدا للتواضع لكنه في الواقع براغماتي وواقعي.
فهو براغماتي وواقعي لأنه إذا ما استطاعت فرنسا بالنظر إلى المكانة والدور اللذين تضطلع بهما داخل الإتحاد الاوربي وإذا ما استطاع المغرب من جهته باعتباره بلدا عربيا إسلاميا يقر الجميع باشعاعه الروحي وبحضوره الفعلي على صعيدي الشرق الاوسط وإفريقيا خاصة أن يبلورا صيغ هذه الشراكة المتميزة فإن المرجعية المفتقدة حاليا ستتحقق حينئذ لتضفي المصداقية والواقعية والمضمون على الجسر الرابط بين ضفتي المتوسط الذي كنتم سيادة رئيس الجمهورية سباقين إلى الحديث عنه قبل خمس سنوات حينما تحدثتم بحق عن هذا المشروع الاورو متوسطي الكبير الذي تأخر ظهوره على أرض الواقع.
أصحاب السعادة..
أيها السيدات والسادة..
لقد أثارت فرنسا – وكان ذلك في الرباط في يوليوز 1995 – هذا الطموح الاوروبي الكبير وأكدتم ءانذاك سيادة رئيس الجمهورية أنه ينبغي لهذا الطموح أن يستلهم العلاقات المثالية بين المغرب وفرنسا. وإننا اليوم بصدد هذا الموعد مع التاريخ. بعد بضعة أسابيع ستترأس فرنسا المجلس الاوربي الذي ستكون منطقة حوض المتوسط على جدول أعماله. فهل ستكون هذه فرصة تاريخية لتحريك الإطار الصحيح من الناحية السياسية لكن التقليدي في المحصلة الاخيرة الذي وضعت خطاطته في برشلونة والذي ندرك جميعا الان بعد خمس سنوات محدوديته وتذبذبه. ولربما حان الوقت كذلك لاعطاء الأجندة الاوروبية في منطقتنا صبغة مختلفة قد يكون من شأنها جعل المغرب وبلدان أخرى بجنوب البحر الابيض المتوسط يحدوها الامل في أن تتطلع الى شراكة تكون في الوقت ذاته..
– أكبر وأحسن من إطار التشارك الذي يجمعنا والذي تمت مراجعته وتصحيحه.
– شراكة قد تكون لبعض الوقت أقل من الانضمام الذي يمليه في الواقع العقل والجغرافيا والواقع اليومي للحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في بلداننا.
إن كلامي هذا لا يعني – سيادة الرئيس – مجهودا ظرفيا قد يكون من قبيل الخيال السياسي أو بلاغة اللحظة في الخطاب الاكاديمي. فعلى العكس من ذلك لدي قناعة بأنه يمكننا ويتعين علينا الان زحزحة بعض الطابوهات في أفق ابرام اتفاق متفرد نعرف جميعا كيف سنعطيه المحتوى الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي الذي هو في النهاية نتيجة طبيعية لأواصر التضامن الواقعي والمصيري الذي يجمع بيننا منذ مدة طويلة. كما لاحظتم ذلك – أيتها السيدات أيها السادة – إن المغرب منسجم مع نفسه في اختياراته وفي كفاحاته التي يظل على رأسها احلال السلام بين الفلسطينيين والعرب من جهة والاسرائليين من جهة أخرى وكذا تحقيق المصالحة المأمولة التي طال انتظارها بين المسلمين واليهود. إن الكرامة المستعادة والحرية المتقاسمة أيضا – كما أبرزت ذلك في غالب الاحيان – غير قابلتين للمساومة. ان هذه المبادىء الأساسية هي مبادىء كونية لايمكن المساس بها شأنها في ذلك شأن الاحترام التام للالتزامات المتفق عليها. إنني أعني بقولي هذا الاراضي العربية التي لازالت محتلة. وأخص بالذكر بطبيعة الحال مدينة القدس باعتبارها مكانا للتلاقي والحوار والتعايش يتعين أن يستعيد فيه كل مكانه وحقوقه.
إن المغرب باعتباره فاعلا تاريخيا وحريصا على هذا المسلسل لم يعد في حاجة الى تقديم الدليل على التزامه بسلام عادل ودائم سلام يتجاوز الدول والحكومات ليكون سلام القلوب والعقول.
إنه يتعين علينا من أجل انجاز ذلك اعادة الحياة والحيوية الى عقد الثقة الذي شرع العرب والاسرئيليون في بلورته والذي يعاني اليوم في أغلب الاحيان من الوهن بسبب التشكيك وانعدام الثقة وأحيانا من الفتور.
سيادة رئيس الجمهورية
إن الشعور الذي أعبر عنه هذا المساء هو شعور الجيل الذي أنتمي إليه. جيل النساء والرجال الذين تجمعهم في المغرب حماسة الشباب والحكمة والتبصر التي تواكب بطبيعة الحال الكفاح الذي نريده أولويا من أجل أكبر وأفضل ما يمكن من التنمية وأكبر وأفضل ما يمكن من النمو وأكبر وأفضل ما يمكن من الإشعاع الروحي والقدرة على الانفتاح على الغير وعلى الاخرين.
إن هذا الشعور أيها السيدات والسادة هو شعور عاهل ورئيس دولة عربية وإسلامية يرغب مع ميلاد قرن جديد في مشاطرة الشعب الفرنسي منظوره لفضاء إقليمي للتضامن والحداثة كفيل بتمكين مجتمعاتنا على ضفتي المتوسط من التخلص مما تبقى لديها من أفكار بالية ومخاوف قديمة طالما اعترت وكدرت صفو أذهاننا.
إن هذا المشروع المجتمعي سيادة رئيس الجمهورية لن نربحه وحدنا. فهذه هي قناعتي وقناعة جميع المغاربة. وإن الامل ليحدونا في أن تشارك فرنسا في ذلك بإعمال العزيمة السياسية والإقدام والقدرة على الإبتكار والوسائل التي من شأنها توفير كل حظوظ النجاح لهذا التحالف من أجل التقدم. وإنني أختم كلمتي كما بدأتها سيادة رئيس الجمهورية بالإشادة بالثقة الكبيرة التي تميز العلاقات التي حرص بلدانا على إقامتها بينهما من خلال إعطائها أحسن ما لديهما. كما أشكركم سيادة رئيس الجمهورية على الإستقبال الحار وحسن العناية اللذين تركا في نفسينا أنا وصاحبة السمو الملكي الاميرة للا حسناء أطيب الاثر. وإنني أود أن أقول أيضا للسيدة شيراك إننا تأثرنا بمدى لطفها وحسن استعدادها والعناية الخاصة التي أحاطتنا بها منذ وصولنا.
أيها السيدات والسادة..
أدعوكم إلى الوقوف احتراما لرئيس الجمهورية الفرنسية والسيدة شيراك مع متمنياتنا لهما بموفور الصحة وللشعب الفرنسي بالسعادة والإزدهار.
عاشت فرنسا
عاش المغرب
عاشت الصداقة المغربية الفرنسية
والسلام عليكم
*******************
الكلمة السامية التي ألقاهاجلالة الملك محمد السادس خلال حفل الاستقبالالذي أقامته على شرف جلالتهبلدية تونس
لتونس في نفوسنا نحن المغاربة مكانة خاصة
تونس : الخميس 25 ماي 2000
” الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
السيد رئيس بلدية تونس ..ا
لسيدات والسادة أعضاء المجلس ..
حضرات السيدات والسادة
إنه ليغمرنا الشعور بالسعادة والإعتزاز، ونحن نتواجد معكم في رحاب هذا المجلس الموقر، الذي يمثل مدينة تونس العريقة. ومن خلالكم نود أن نعبر لسكانها الأماجد، عن تأثرنا البالغ بحفاوة الإستقبال والمشاعر الطيبة التي أبدوها إزاء شخصنا ونحن نحل ضيفا بين ظهرانيهم.
إن مدينة تونس هي بوابة هذه البلاد السعيدة التي استطاعت منذ فجر التاريخ أن تعانق حضارات عديدة وأن تصهرها بل إنها عرفت منذ قرطاجة إشعاعا حضاريا أهلها لتكون سباقة في مضمار التمدن الذي عم أرجاء البحر الأبيض المتوسط. وحينما حل الإسلام بهاته الربوع الطيبة، أصبحت تونس إحدى الحواضر الاسلامية الكبرى التي كان لها تألق حضاري متميز. ولا أدل على ذلك من وجود معلمة خالدة هي جامع الزيتونة الذي أشاع العلم والمعرفة ليس في تونس وحدها بل تجاوزها إلى مختلف البلدان والأمصار.
ويكفي هذا الجامع فخرا أنه كان كذلك مدرسة للكفاح والكرامة، تخرجت منه أجيال من الوطنيين والعلماء الذين أبلوا البلاء الحسن في بناء الدولة التونسية الحديثة، وذلك بتمسكهم بمقوماتهم الحضارية وتعميقهم للأصالة التونسية مع تفتحهم على عطاءات الآخر.
غير أن هناك جانبا آخر يشدنا إلى هذه المدينة السعيدة هو اتساق عمرانها وجمال هندستها. فلقد زاوجت بين ماضيها وحاضرها، بين أصالتها ومعاصرتها.
إن هذا النجاح يعود بالأساس إلى العبقرية التونسية التي تستخلص من كل شيء عصارته، وإلى اللامركزية التي اعتمدتها تونس الشقيقة في تدبير شؤونها المحلية، وذلك بفضل التوجهات السديدة لشقيقنا فخامة الرئيس زين العابدين بن علي، الشيء الذي أهل مدينة تونس لأن تلج الألفية الثالثة بكل ثقة وثبات.
حضرات السيدات والسادة
إن أفواجا عديدة من الطلبة والعاملين من مختلف الأرجاء تتقاطر على مدينتكم إبتغاء العلم والكسب بفضل التسامح الذي عرفه بلدكم الشقيق وروح التفتح التي تطبعه.
كما أن أعدادا كثيرة من رعايانا الأوفياء اتخذوا مدينتكم مستقرا لهم،وقصدوها طلبا للعلم والمعرفة.
وإن هذا التمازج والإنصهار بين شعبينا هو عامل من العوامل التي ستساعدنا في ترسيخ علاقاتنا الثنائية والدفع بقاطرة إتحادنا المغاربي.
إن لتونس في نفوسنا نحن المغاربة مكانة خاصة، بحيث ظلت دوما تحمل في وجدانها الحب والتقديرلأحد أكبر رموز التحرير في العالم جدنا المنعم جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه.
ونغتنم هذه المناسبة لنعبر لكم عن تقدير جلالتنا الخاص لمبادرتها الرائدة،بتخليد ذكرى روحه الطاهرة من خلال إطلاق اسمه الشريف على أحد أكبر شوارعها وأجملها.
وختاما فإننا نجدد لكم الشكر على حرارة الإستقبال وحسن الضيافة متمنين لحاضرتكم الجميلة المزيد من التألق والعمران الحضاري، في ظل القيادة الرشيدة لأخينا المبجل فخامة الرئيس زين العابدين بن علي.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.
***************
كلمة صاحب الجلالةالملك محمد السادسبمناسبة الحفل الذي أقامتهجامعة جورج واشنطنعلى شرف جلالته
… توأمة جامعة جورج واشنطن التي فاق إشعاعها كل الحدود مع جامعة الأخوين المغربية
واشنطن : الخميس 22 يونيو 2000
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
السيد الرئيس .. أصحاب السعادة حضرات السيدات والسادة
يسرني غاية السرور أن أخاطبكم في رحاب هذه المؤسسة المرموقة التي هي جامعة جورج واشنطن شاكرا لها هذا التكريم الرفيع الذي أبت إلا أن تشرفني به و آيات التقدير هذه التي أبديتموها في حقي و التي كان لها بالغ الأثر في نفسي.
وأود أن أحيي العديد من أصدقاء المملكة المغربية من بين الشخصيات البارزة الحاضرة هنا سواء كانت من عالم الإستراتيجية السياسية والدبلوماسية والمال والاقتصاد أو العلم والثقافة أملا أن تتسع دائرتها كائنة ما كانت الانتماءات الحزبية وذلك حتى ترتقي بالعلاقات الممتازة القائمة “و لله الحمد” بين بلدينا منذ أزيد من قرنين.
إن الصداقة المغربية الأمريكية المتجذرة على هذا النحو في تاريخ بلدكم لم تخلف أبدا وعدها في أوقات الأزمات كما في زمن السلام. فقد ظلت هي هي إبان الحرب الباردة..
إنها لم تكن وليدة تلك الظرفية العابرة أو نتيجة حسابات ضيقة بل ظلت مشبعة بتلك القيم الغالية للإنسانية جمعاء المتمثلة في الحرية و العدالة و التضامن.
السيد الرئيس، أصحاب السعادة
حضرات السيدات والسادة
منذ أن أرادت مشيئة الله أن أخلف والدي المنعم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني في قيادة بلدي شكلت مسألة فن الحكم و الأخلاقيات التي يقتضيها و ينطوي عليها شغلي الشاغل.
فلم أتوان عن توسيع حقل الممارسة الديمقراطية وترسيخ دولة الحق والقانون ولا عن الإيمان بكرامة المواطن وتوطيدها ولا عن إصلاح هياكل الدولة و وضع أسس تنمية إنسانية مستديمة يتقاسمها سائر الأفراد والمجموعات و المدن و الجهات و الأقاليم بإنصاف. و مما يبعث الحماس في النفس كون مشيئة الله جعلت من الشعب المغربي شعبا وفيا محترما لمؤسساته الدستورية متسامحا ساعيا إلى أفضل علاقات المودة مع معتنقي الديانات السماوية الأخرى.
إن هذا الشعب المخلص لأصدقائه ”كما يشهد بذلك تاريخنا المشترك” عرف على الدوام و سيعرف كيف يعرب عن عرفانه بالجميل لكل الذين ساهموا و سيساهمون في ازدهاره من خلال شراكة متميزة تطبعها جنبا إلى جنب المصالح المتبادلة و الاستمرارية و الإخلاص و الثقة.
إني لمدين لشعبي بأفضل ما أستشعره من قدرة ليس فقط على احترام و رعاية هذه الشراكة المتميزة القائمة مع الولايات المتحدة و الاتحاد الأروبي بصفة خاصة و لكن أيضا في بقائي متشبثا بروابط تضامننا مع إفريقيا في المقام الأول حتى تضمد جراحها و تحقق نماءها و أيضا مع العالم العربي من أجل تسريع وتيرة مسلسل السلام في الشرق الأوسط الذي بذلت الولايات المتحدة و المغرب من أجله جهودا جبارة و خصته بوسائل كبرى ومبادرات متعددة لكي تعيش كل شعوب المنطقة في أمن و كرامة و كذلك مع اتحاد المغرب العربي الذي ينتظر من إخوانه و شركائه شحنة سخية لتشجيع نمائه بما يحقق الاستقرار بالمنطقة و يعود بالخير على شعوبها.
حضرت السيدات و السادة
إنه لمن واجبي كملك للمغرب قلدته منظمة المؤتمر الإسلامي رئاسة لجنة القدس أن أدعو باسمها كافة المؤمنين اتباع الديانات السماوية من أبناء إبراهيم إلى تحرير هذه المدينة المقدسة لدى الديانات الثلاث من مشاعر الكراهية والبغضاء حتى تعود كما كانت في سابق عهدها ذلك الفضاء المقدس الذي يتوجه فيه المؤمنون في صلواتهم إلى الله الواحد الأحد بكل خشوع و تسام روحي.لقد تعلمنا عبر الأزمنة والأحقاب أن العدالة ركيزة من ركائز الإيمان الصادق وأن الأخلاق منبع لكل سلطة و حجر الزاوية في كل سياسة تتغيا العمل الصالح.. ذلكم العمل القائم على الخير كمفهوم خالد و عميم و كوني لا بد له أن يحضى في نهاية المطاف بمساندة الأفراد و الشعوب.
السيد الرئيس
أصحاب السعادة حضرات السيدات والسادة
مع نهاية الحرب الباردة وجدت حكومات وبرلمانات مختلف الأمم نفسها أمام مشاكل استراتيجية جديدة وظواهر اجتماعية جمة ومتطلبات أخلاقية جسيمة.
إن التقدم الذي عرفته أنظمة الاتصال و تنامي الأسواق التجارية و المالية قد غيرا أنماط الإنتاج والتوزيع و الاستهلاك لدينا في الوقت الذي أصبحنا فيه مسكونين بهاجس الخطر النووي المقرون بدوره بتهديدات أمنية أخرى لا قبل لنا بها.
و أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر بعضا من تلك الظواهر.. فمن الإرهاب الهمجي إلى ترويج المخدرات وانتشار الأوبئة والجريمة متعددة القوميات إلى تبييض الأموال في المراكز المالية إلى الهجرة المتوحشة و رواج الأسلحة وانتشار العنف وانتهاء بالأضرار المتنامي بالمحيط الطبيعي إلى درجة تهدد بتفويض التوازن البيئي الهش.وأخص بالذكر هذا العنف الممارس ببرودة أعصاب و وفق قواعد غير عادلة في الدول الأقل نموا.. تلك الدول التي تنوء تحت عبء المديونية والتي تواجه منتوجاتها المتواضعة صعوبات في ولوج الأسواق وتعاني الحرمان من التكنولوجيا في حين تظل برامج التنمية بها محكوم عليها عموما بالفشل بسبب ضئالة المساعدة العمومية و الشح المتزايد في الموارد المالية.
إن مصلحة الإنسانية جمعاء تكمن في إدماج كل مكوناتها بحسب تنوع إسهاماتها في الحضارة العالمية و من دون تهميش لأي قارة أو جهة و دونما إقصاء لأي شعب من الاستفادة من مزايا التقدم و كذا دون إحداث شرخ بين مختلف شرائح المجتمع و خاصة دونما تمييز في حق النساء أو المجموعات الاجتماعية المستضعفة التي يجب أن تكون شريكا و أيضا مستفيدا من التنمية و التطور
.إنني لعلى يقين من أن العالم المالي أي عالم القرن الواحد والعشرين الذي تلوح بشائره في الأفق يعيش مرحلة وتحول سيتولد عن تناظر الخصوصيات فيها تطابق حول قيم مشتركة بيننا.
وستختفي تدريجيا المبادرات السياسية الأحادية فاسحة المجال أمام تعزيز دور الأمم المتحدة و النظام المتعدد الأطراف و سيعوض تعاون شمولي لا محيد عنه شيئا فشيئا نمط العلاقات الدولية الاختيارية و ذلك في انتظار الانتقال من دولة الحق الوطنية إلى نظام القانون الدولي.وسيكون على دولة الألفية الجديدة ألا تكتفي بدور مهندس التوافق الوطني بل عليها أيضا أن تكون و بالأساس منظما للحوار المثمر بين الثقافات والحضارات و من ثم عنصرا مكثفا لروح المواطنة على الصعيد العالمي. هذه الروح التي تفرض على كل واحد منا أن يفكر “في مواجهة مشاكل العالم الحالي “بكيفية شمولية قبل التصرف على المستوى المحلي مع الوعي التام بطبيعة سلوكنا وانعكاساته على الآخرين جميعهم.فلنعمل سويا إذن على ترسيخ الديمقراطيات الوطنية باعتماد قواعد الديمقراطية المتعارف عليها دوليا وذلك في أفق تدعيم الشرعية و المبادئ الأخلاقية على الصعيد العالمي بحيث يكون بوسعنا خلق أقصى ما يمكن من شبكات التشارك والتمازج بين الشعوب بما ينشر السلم و يحقق المزيد من الرخاء المشترك.
وأدعوكم اليوم أنتم الذين تتحملون مسؤولية جسيمة في توجيه شؤون العالم الذي نرجو أن يسود التضامن و الأخوة و الأمل إلى العمل على تحقيق هذا المثل الأعلى و هذا النظام الأخلاقي العالمي.
السيد الرئيس لن يفوتني في ختام كلمتي هذه أن أعرب لكم عن مدى السعادة التي تغمرني بحدث توأمة جامعة جورج واشنطن التي فاق إشعاعها كل الحدود مع جامعة الأخوين المغربية التي قطعت “رغم كونها جامعة فتية “مشوارا نموذجيا و واعدا.أشكركم على انتباهكم والسلام عليكم ورحمة الله”.
***************
نص الكلمة الساميةالتي وجهها صاحب الجلالةالملك محمد السادسإلى قمة الألفية المنعقدةبمقر الأمم المتحدة بنيويورك
نيويورك- الأمم المتحدة: الخميس 7 شتنبر 2000
“الحمد لله و الصلاة و السلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
..السيدة الرئيسة السيد الرئيس..
أصحاب الجلالة و الفخامة و السمو و المعالي
..السيد الآمين العام
..آيتها السيدات آيها السادة..
يشرفني أن انقل إلى جميع أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والمعالي ملوك وأمراء ورؤساء الدول و الحكومات أو ممثليهم المشاركين في قمة الألفية تحيات وتقدير صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله ملك المغرب.
وقد شرفني جلالته بأن أنوب عنه في إلقاء الخطاب الملكي التالي الذي كان جلالته يود أن يلقيه شخصيا أمام جمعكم الموقر لما يليه لقمة الألفية من أهمية بالغة.و إليكم حضرات السيدات والسادة نص الكلمة الملكية السامية..
“ أود في مستهل كلمتي أن أتقدم بهذه المناسبة الفريدة والاستثنائية بالشكر لكل الذين ساهموا في الإعداد لقمة الألفية هاته. و أريد أن أخص بالتهنئة السيد الأمين العام للأمم المتحدة الذي دعانا لهذا الملتقي لكي ننكب جميعا على إجراء تقييم لما عليه حال العالم ضمن رؤية طموحة وجريئة لمستقبل الإنسانية.لقد شهد العالم خلال القرن المنتهى الأحسن مثلما عرف الاسوأ حيث استفاد من خطوات جبارة لم يسبق لها نظير في مجال تقدم العلوم والتكنولوجيا والاتصالات الشاملة ولكنه عانى من الحروب الدامية و التيارات الاستبدادية والاضطرابات الكبرى بدرجة لامثيل لها من قبل.واليوم وقد تنافست الرؤى الفكرية عالميا حول سمو القانون والمثل العليا للديمقراطية فقد غدا بالإمكان أن نجنب الأجيال المقبلة أهوال الرعب واللامساواة التي يجر تبعاتها القرن المنتهى وأن نكسر حيث مازالت قائمة الأغلال المشؤومة للبؤس والجهل والإقصاء.إننا نحن رؤساء الدول والحكومات بمشاركتنا في هذا الحدث التاريخي لمن واجبنا أن نقر رسميا ونحن ندخل الألفية الجديدة بأننا عازمون على رسم أفق جديد للإنسانية غايته بلوغ الكمال في العدالة و إشاعة روح التعاطف في التضامن.
السيدة الرئيسة السيد الرئيس..
إن هذا الأفق الجديد للإنسانية ينبني أولا على مفهوم قوامه ” الأمن الإنساني الشامل “بمعنى أن لا يشهد أي مكان في أنحاء المعمور موت طفل من الجوع ولا انتشار وباء ولا حدوث توتر عرقي ولا اعتداء على امرأة بسبب الميز أو امتهانا لكرامتها ولا انتهاكا لحق التعبير ولا معاناة مهاجر لمحنة الإقصاء ولا حرمان إنسان من التربية ولا نزاعا حول مياه مشتركة ولامحنة يعانيها أناس من جراء عقوبة جائرة.وينبني هذا الأفق الجديد أيضا على التناسق الاستراتيجي والمؤسساتي إذ لا يتحقق حسن التدبير محليا إلا في سياق ديمقراطية عالمية كاملة ينعشها نظام الأمم المتحدة فعال ومتوفر على كل الموارد البشرية و المالية الملائمة و الكفيلة بجعل مختلف منظماته تنهض بالمهام الكونية الموكولة إليها.
و في هذا الصدد يستحسن بعد ما طال الانتظار العمل على تعديل ميثاق الأمم المتحدة بتحيين بعض مقتضياته التي أصبحت متجاوزة مع الاحتفاظ بالمبادئ ذات المغزى الكوني التي بنيت عليها تلكم المنظمة ذات الخصوصيات الفريدة و المنتظر منها أن تلعب دور المحرك في عملية التدبير الكلي للمشاكل العالمية.
ويستحسن في نفس السياق أن نغتنم الدفعة السياسية لهذه القمة للسير قدما بعملية إعادة هيكلة مجلس الآمن حتى يتيسر لهذا الجهاز ذي الأهمية القصوى أن يعكس الهندسة الجيوسياسية الجديدة للعالم وذلك وفق أفضل شروط التجرد و النزاهة و الفاعلية و التمثيلية و المشروعية التي لا تقبل أي طعن و نزاع.. ذلك أنه منذ الإصلاح الذي يعود إلى سنة 1963 تضاعف عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بمقدار الثلثين وقد حان الوقت لتوسيع تمثيل المجموعة النامية بالمجلس مع ايلاء معيار الالتزام الفعلي بالحفاظ على السلم و الأمن الدوليين ما يستحقه من الأهمية.ومن جهة أخرى فإن ما يعرف بالفجوة الرقمية لن يتأتى تقليصها إلا عبر ديمقراطية تكنولوجية تقر بحق الجميع في اقتناء تكنولوجيات الإعلام باعتبارها ملكا عاما مشاعا.وأخيرا فإننا نؤمن إيمانا راسخا بأنه يتعين على نظام عالمي مبني على أساس القانون والإنصاف وأن يحد من اختلالات الاقتصاد العالمي ويقلص من المفعول العكسي لحركة رؤوس الأموال المسخرة للمضاربة فضلا عن أثره الحاسم في تقليص الفوارق الطبقية الاجتماعية والجهوية عبر العالم.وفي هذا المضمار نود أن نذكر بمضمون النداء الذي وجهه والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته من مراكش في أبريل 1994 بمناسبة ميلاد المنظمة العالمية للتجارة والذي دعا فيه إلى تفعيل نظام لحسن التدبير متعدد الأطراف وشامل خاصة عن طريق التنسيق والتناسق المحكم للعمليات التي تباشرها مؤسسات “بروتن وودز” و المنظمة العالمية للتجارة.
السيدة الرئيسة السيد الرئيس..
إن مجمل المؤشرات والإحصاءات المتوفرة وما يستنتج من التوجهات العشوائية التي تطبع هندسة الاقتصاد العالمي تدل هي الأخرى بأنه قد أصبح من المحتم إيجاد مصادر جديدة لتمويل التنمية المستديمة و إلا تم الحكم على شرائح واسعة من البشرية بالفقر الذي لا حد له مع ما يترتب على ذلك من أخطار قد تزج بالعالم في زوبعة من الاضطرابات يكون من عواقبها القضاء على ما حققه القانون الدولي من خطوات واعدة وما تم من انفراج نسبي على الواجهتين الأيديولوجية و الجيوسياسية.
إن الدورة الطارئة التي ستجتمع على أعلى مستوى في السنة المقبلة لبحث موضوع “الشراكة الدولية من أجل التنمية” تتيح فرصة استثنائية لابتكار تصورات خلاقة و توفير موارد إضافية لفائدة العالم النامي الذي يرزح حاليا تحت وطأة تحفظ المانح و عدم اكتراث المستثمر.وهذه المبادرة فضلا عن أنها ستكون بمثابة الفعل المؤسس لجيل جديد لدبلوماسية متعددة الأطراف فإنها ستكون كذلك نواة لتضامن فعال بين الناس و منطلقا لما يمكن التعبير عنه ” بالوطنية الكونية“.
وفي هذا الصدد فإن القارة الأفريقية المهمشة في كل مناحي الحياة الدولية لهي في أمس الحاجة إلى استراتيجية لتأهيلها في مستويات متعددة تتضمن على وجه الخصوص التخفيض الملموس لمديونيتها الخارجية و رفع الحواجز الحمائية التي تحد من مردودية منتوجاتها المبخوسة القيمة ووضع برامج للهيكلة تتلاءم وتهدئة نزاعاتها وتنمية سريعة لمواردها البشرية و تحويلات التكنولوجيا الملائمة ومساعدة مالية تتطابق بنيويا مع متطلباتها.
وفى هذا الشأن فإن المملكة المغربية تقترح قيام منظمة الأمم المتحدة بوضع آلية دائمة على أعلى مستوى مكلفة بتفعيل القرارات المتخذة من قبل المجموعة الدولية لصالح إفريقيا. إننا نشكركم على حسن انتباهكم ونتمنى لكم التوفيق في إنجاح هذا التجمع الألفي الذي كرس له أميننا العام وسائر الموظفين الأمميين بتعاون مع ندوة المنظمات الغير الحكومية سخى جهودهم وكامل عنايتهم ودرايتهم“.
والسلام عليكم ورحمة الله تعإلى وبركاته
*********
نص الكلمة الساميةالتي ألقاها جلالة الملكخلال حفل العشاء الذي أقامهعلى شرف جلالتهالملك خوان كارلوس
مدريد : الاثنين 18 شتنبر 2000
“الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
صاحبي الجلالة ..أصحاب السعادة ..حضرات السيدات والسادة
أود في البداية أن أعبر لكم عن تشكراتي على الاستقبال الحار ومشاعر التقدير التي أحطتمونا بها منذ وصولنا إلى إسبانيا البلد الجار والصديق. كما أود أن أعبر لكم عن مدى سعادتي وتأثري البالغ لوجودي بينكم في هذا القصر الملكي حيث تقاسمت أسرتانا لحظات جد موءثرة. وقد كانت جلالة الملكة صوفيا وصاحبة السمو الملكي الأميرة للامريم طوال السنوات الأخيرة أفضل شاهدتين على العلاقة المتميزة والمحبة المنقطعة النظير التي كانت تربط جلالتكم بوالدنا جلالة المغفور له الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته. وبفضل هذه الروابط الراسخة الجذور وبالرغم من تقلبات التاريخ فقد عرف المغرب واسبانيا كيف يبقيان دائما على الحوار ويحافظان على الثقة بينهما.
صاحبي الجلالة
إن المغرب البلد العربي المسلم المتجذر في إفريقيا وإسبانيا-البلد الوفي لتقاليده والذي أصبح واجهة للاتحاد الاوروبي الذي يوجد في أوج تمدده- ليتوفران على كافة الشروط ويتمتعان بكل الموءهلات لفتح الطريق أمام تعزيز وتطوير تعاون متميز وطموح وواقعي على ضفتي حوض المتوسط. فماذا فعلنا-يا صاحب الجلالة- بهذا الموعد الذي حدده التاريخ والجغرافيا لبلدينا. لقد فعلنا الكثير بكل تأكيد،خصوصا إذاما أخذنا بالحسبان الأشواط التي قطعناها على الصعيد الإقتصادي حيث تضاعفت مبادلاتنا التجارية في أقل من عشر سنوات. وعرفت الاستثمارات الخاصة تطورا هاما. وأصبحت تعمل بالمغرب نحو ثمانمائة شركة إسبانية.
لقد أصبح تعاوننا الثنائي قائما على استمرارية وتعدد الانشطة وذلك بفضل الإطار القانوني الجديد والبراغماتي الذي عرفنا كيف نصوغه ونضمن له البقاء. وأقصد بذلك اتفاقية الصداقة وحسن الجوار والتعاون التاريخية الموقعة في الرباط سنة 1991 والتي تشكل إطارا فريدا كفيل بتعزيز علاقاتنا والدفع بها. وأقصد أيضا لجنة ابن رشد وكافة المنظمات الاخرى التي تعمل جاهدة في سبيل تعبئة مجتمعينا المدنيين من أجل تحقيق تعارف أمثل وتفاهم متبادل واجثتات ما ترسخ من الطابوات والأحكام المسبقة التي ما زالت تعيق وتضعف أحيانا الرصيد الهائل للروابط الحميمية بين شعبينا. لقد تم تحقيق منجزات هامة في مختلف مجالات التعاون بيننا وخاصة في أقاليمنا الشمالية. ولكن هل يمكن اعتبار هذه الانجازات في مستوى طموحاتنا، وهل هي تستجيب لهذه الشراكة الاستراتيجية المتسمة بالتضامن والتطوع والشمولية التي سعى إليها المغرب وإسبانيا منذ زمن طويل. بالنسبة لي، يا صاحب الجلالة، ورغم كل ما عددته من انجازات، فاننا لم نبلغ بعد غايتنا و ما زلنا بعيدين عن الهدف المنشود، ذلك أنه غالبا ما يكفي بعض التوتر لتعود الحيطة من جديد ويسود الشك. إننا لم نفلح بعد سويا في خلق فضاء للمصالح المشتركة والمتكاملة يكون مقرونا باحترام كافة الأوجه والأبعاد السيادية لبلدينا.
صاحبي الجلالة
فلنتصور للحظة واحدة وجود شراكة مبتكرة جدية متوازنة مستوحاة من المنطق والتقدم تأخذ بعين الاعتبار متطلباتنا المتبادلة المتعلقة بالأمن والوحدة والسيادة والتنمية المشتركة. شراكة قائمة على عقد للثقة تطبعها روح المسوءولية والطموح والمصداقية.. بيد أن هذه الشراكة ما زالت في حاجة إلى البناء.
إن هذا الهدف هو هدف واقعي لأنه يرتكز على مصالح وواجبات الطرفين كليهما. وهو بصفة خاصة هدف مشروع لأنه يستمد قوته من مواقفنا وردود أفعالنا الضاربة جذورها في الاعماق والتي كيفتها وصقلتها قرون من التاريخ المشترك لذلك يبدو لي- يا صاحب الجلالة- أن الوقت قد حان لمقاربة مغايرة لمصيري شعبينا.
إن هناك حواجز تعترض بطبيعة الحال شراكتنا في مجالات الفلاحة والصيد البحري وانتقال الاشخاص والممتلكات والخدمات بين المغرب واسبانيا. إن هذه الحواجز والخلافات لن تزول إلا بمراجعة وتصحيح إطار تعاوننا وعلاقاتنا حتى يصبح إطارا ديناميكيا وطموحا تتجلى فيه بوضوح مشروعية متطلباتنا في السيادة السياسية والاقتصادية والترابية.
فعلينا إذن أن نجتاز سويا هذه المرحلة النهائية. ولدي القناعة التامة بأنه بمجرد زوال ندوب الماضي ستتحرر الطاقات الخلاقة في بلدينا كما ان وتيرة وحجم ما سنشيده ونحققه سويا سيحدان من ءاخر السلبيات التي خلفها لنا التاريخ ويمحواها.
صاحبي الجلالة
إن هذا الأفق الجديد الذي ترتسم معالمه بالنسبة للمغرب وإسبانيا يتعدى بكثير البعد الثنائي ويتجاوز حدود علاقاتنا. وإن هذه الشراكة المغايرة والطوعية-التي ءامل صادقا قيامها- سيكون لها انعكاس ايجابي ليس فقط على العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي بل أيضا على كل المسلسل الأورومتوسطي الذي تبلور في برشلونة قبل خمس سنوات. ذلكم المسلسل الطموح الذي ما زال في حاجة الى خطوة سياسية من شأنها أن تضفى عليه مجددا طابع المصداقية والواقعية. إننا- يا صاحب الجلالة- لنتقاسم في هذا الصدد أيضا مسوءولية اغتنام فرصة تاريخية من شأنها تحقيق إشعاع دبلوماسي وريادة إقليمية لبلدينا.
لقد أشرت قبل قليل الى السلبيات التي خلفها لنا التاريخ في هذا الجزء من العالم لكنه خلف لنا أيضا ارثا ومزايا. منها ذلكم التراث الذي تركته لنا نخبة من المفكرين الاندلسيين والذي ما فتىء يفاجئنا بمنحاه الانساني وموضوعيته وحداثته في فجر الألفية الثالثة هذا. إننا لمؤتمنون واياكم على ذلكم الإرث والتراث اللذين مازالت منطقتنا في أمس الحاجة إليهما لتجديد فرص النجاح لمسلسل السلام في الشرق الأوسط الذي انطلق التفاوض بشأنه ووضع التصور المتعلق به قبل حوالي عشر سنوات هنا في مدريد. لقد تم قطع جزء من المشوار بكل تأكيد. وقد ساهم المغرب بدوره في ذلك. إلا أنه مازال يتعين القيام بما هو أهم وذلك باحترام جميع الالتزامات وتنفيذها بما يضمن المساواة في الحقوق والكرامة للجميع. وأذكر هنا الاراضي العربية التي ما زالت محتلة وكذا الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف والتي ينبغي أن تنضم في أسرع وقت إلى المنظومة الأممية.
إن كسب هذه المعركة لمتوقف في نهاية المطاف على ايجاد الثقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين. إن بمقدور بلدينا اللذين يتقاسمان ذاكرة مشتركة-خصبها حوار الثقافات والأديان- أن يقدما في هذا الشأن أيضا مساهمة فريدة وحاسمة وذلك من خلال التأكيد لكافة الفاعلين في عملية السلام على حقيقة أكثر تحفيزا ألا وهي نبذ الحقد ورفض الاقصاء.
صاحبي الجلالة..
إنه على المغرب وإسبانيا تغيير وتيرة العمل لبناء فضاء للتعاون والتضامن والحداثة. فضاء جد واعد ينبغي أن يكون قضية للجميع. فقد ولى ذلك الزمن الذي كانت فيه الدول تعتد بنفسها وتعتبر أنها المسوءولة الوحيدة عن مصيرها.
إن هذا الافق الجديد الذي استعرضت معالمه يجب أن تتجند له الهيئات المنتخبة والجمعيات والمقاولات ووسائل الاعلام والجامعات. وإني لأعبر في هذا الإطار عن سروري للتظاهرات المتميزة التي ستنظم في كل من اسبانيا والمغرب سنة 2002 لأنها تظاهرات ستتيح تعارفا أفضل بين شعبينا.
وعلى أمل تحقيق ذلك أختم كلمتي هذه- ياصاحب الجلالة-بالاشادة مرة أخرى بفرادة وحميمية وغنى علاقاتنا.وأدعوكم أيتها السيدات والسادة للوقوف احتراما للعائلة المالكة باسبانيا التي نتمنى لافرادها موفور الصحة وللشعب الاسباني مزيدا من السعادة والرخاء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته“
********************
الكلمة الساميةالتي ألقاها صاحب الجلالةالملك محمد السادس لدى استقباله في مدريدممثلي الجالية المغربيالمقيمة بإسبانيا
مدريد : 18 شتنبر 2000 الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
رعايانا الأوفياء ممثلي جاليتنا بالديار الإسبانية
إنه لمن دواعي سرورنا أن نلتقي بكم في هذا اليوم المبارك السعيد لنعبر لكم ولسائر أفراد الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا عن تقديرنا واعتزازنا. إن حرص جلالتنا على اللقاء بأفراد جاليتنا بالخارج كاما حللنا بالأقطار الشقيقة والصديقة المضيفة لهم يندرج ضمن السنة الحميدة التي دأب عليها والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته حيث كان يحرص على استقبالهم وإيلائهم سابغ عطفه ورضاه. وها نحن اليوم في إطار عنايتنا السامية واهتمامنا المتواصل بشؤون جاليتنا وظروف عيشها ومقامها بهذه الديار نسعد بلقائكم والاجتماع بكم.
رعايانا الأوفياء
إن ما يثلج الصدر ويبعث عن الارتياح أن جاليتنا بدول المهجر تظل متشبثة بهويتها الوطنية ومتعلقة بمقدساتها ومؤسساتها ومتتبعة لشؤون بلدها وما يبذله من جهود في شتى الميادين لتحقيق التنمية والفاهية لمواطنيه. ولايسعنا بهذه المناسبة إلا أن ننوه بمساهمة أفراد جاليتنا في اسبانيا بمختلف مكوناتها في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها بالدنا.
رعايانا الأوفياء
إن تواجد جالية مغربية نشيطة في هذا البلد الصديق التي هي محط تقدير واحترام من المسؤولين ومن قطاعات الرأي العام يعرف في بعض الأحيان في جهات متفرقة ومحدودة أحداثا مؤسفة ضد مواطنينا لا يخفف من حدتها وتأثيرها في نفوسنا إلا ما تواجه به من شجب قوي من المسؤولين ومن جميع مكونات المجتمع المدني وقواته الحية . وإننا لعلى يقين بأن ما يتميز به المواطن المغربي من مقومات الأصالة والجدية واحترام الغير وتقدير تقاليد الضيافة والانفتاح على المحيط الذي يعيش فيه والتفاعل معه في توافق مع قوانين وأنظمة بلد الاقامة واعتبارا للعلاقات المتميزة التي تربط بين بلدينا والتي تستمد قوتها وحيويتها من تاريخ مشترك وحسن جوار وتقارب ثقافي وما يربط جلالتنا من علاقات حميمة مع جلالة الملك خوان كارلوس الأول سيمكن من تجاوز الظروف الصعبة وتأمين السلامة والطمأنينة للمواطنين.
رعايانا الأوفياء
لقد حرصت جلالتنا في شتى المناسبات على دعوة رؤساء البعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية المغربية بالخارج إلى السهر على حماية مصالح المواطنين المقيمين بالمهجر وإبلاغهم عنايتنا السامية وحرصنا الدائم على استمرار تشبثهم بهويتهم لخدمة وطنهم وتذليل كل الصعاب التي تواجههم.
وفي هذا السياق، قررنا فتح قنصلية عامة في إشبيلية وقنصلية جديدة بألميريا وملحقتين قنصليتين بكل من بوركوس وفالنسيا عاقدين العزم على مواصلة الجهود لتقريب الإدارة من المواطنين بالخارج كلما دعت الضرورة إلى ذلك، لتكون صيانة لهم في صون حقوقهم والدفاع عن مصالحهم وقضاء أغراضهم ومواصلة الجهود المنذولة لتلقين أبنائهم اللغة العربية ومبادئ ديننا الاسلامي الحنيف السمح.
إن مقامكم في ديار المهجر بعيدين عن الأهل والأحباب يستدعي رص صفوفكم وتظافر جهودكم لتحقيق ظروف العيش الكريم لكم ولذويكم وتقديم صورة مشرفة لبلدكم باعتباركم خير سفراء له تمثلونه أحسن تمثيل.
فالله نسأل أن يسدد خطاكم ويوفقكم في أعمالكم ويوفر لكم أسباب الطمأنينة والسعادة إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
**************
الكلمة الساميةالتي ألقاها صاحب الجلالةالملك محمد السادس خلال حفل تسليم جلالتهالمفتاح الذهبي لمدريدمن طرف عمدة المدينة
مدريد : الثلاثاء 19 شتنبر 2000
“الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءاله وصحبه
سعادة السيد ألباريس ديل مانثانو عمدة مدريد .. السادة المستشارون .. حضرات السيدات والسادة
نود بادىء ذي بدء أن نعرب لكم عن تشكراتنا الخالصة على كرم الضيافة المعروف عن اسبانيا وعلى حفاوة الاستقبال الذي حظينا به منذ أن حللنا بمدريد. كما نود أن نعبر لكم عن سرورنا بتواجدنا اليوم في هذه البناية الرائعة التي هي مقر بلدية مدريد. كما نعبر لكم عن تشكراتنا على تسليمنا المفتاح الذهبي لهذه المدينة الجميلة عاصمة البلد الأوروبي الأقرب الى السواحل المغربية. إننا لجد متأثرين لهذا التشريف الذي إن دل على شيء فانما يدل على الروابط القوية والعريقة التي تجمع بين شعبينا.
السيد العمدة
يسعدنا بهذه المناسبة أن ننوه بالمستوى الممتاز للعلاقات الوثيقة القائمة بين المغرب وإسبانيا والتي تحكمها معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي رعاها والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته وجلالة الملك خوان كارلوس الأول بمدريد سنة 1989 وتم توقيعها بالرباط سنة 1991. هذه المعاهدة التي تغطي كافة ميادين تعاوننا وتحدد الآليات الملائمة للحفاظ على العلاقات القائمة بين شعبينا وتعزيزها.
إن اسبانيا بالنسبة لنا بلد جار نوليه اهتماما خاصا. ولهذا فإننا نغتنم هذه الفرصة لتأكيد عزمنا الوطيد على مواصلة تعزيز وتدعيم علاقاتنا بهدف تبويئها المكانة اللائقة بها اعتبارا لتاريخنا المشترك ولموقعنا الجغرافي الذي يضعنا في ملتقى الثقافات والحضارات التي صنعت تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط.
السيد العمدة
منذ حلولنا بمدريد غمرنا شعور بالاعجاب- وهو نفس الشعور الذي ساورنا دائما خلال زياراتنا السابقة لها- اعجاب بما تزخر به هذه المدينة الرائعة التي تجمع في تناسق تام بين المآثر التاريخية التي تعود لحقب مختلفة والبنايات الأكثر حداثة مما جعل من مدريد وجهة مفضلة على الصعيد الدولي.
السيد العمدة..
أود أن أهنئكم على السياسة المتبعة في تدبير بلدية مدريد والتي جعلت من هذه المدينة احدى أهم عواصم أوروبا التي تحتضن منتديات سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية دولية رفيعة المستوى الشيء الذي مكنها من الاضطلاع بدور طلائعي.
إنه من الممكن استثمار التوأمة التي تجمع بين عاصمتي بلدينا الرباط ومدريد للقيام بأعمال طموحة في ميادين مختلفة وذلك بهدف تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين المدينتين وتفعيل رصيد الصداقة والتفاهم ووشائج الصلة القائمة بينهما. وسيكون من بين أهداف هذه الأعمال أيضا تعميق التعارف والتفاهم بين المجتمعين المدنيين من خلال تحسين نظرة كل واحد منا للآخر الامر الذي ستتمخض عنه لا محالة مبادرات أخرى حاسمة بالنسبة لتقدمنا المشترك.
السيد العمدة
نود في ختام كلمتنا هذه أن نجدد لكم تشكراتنا على كل مظاهر العناية التي أحطتمونا بها وأن نعرب لكم عن خالص متمنياتنا بالنجاح في مواصلة عملكم النبيل في هذه المدينة الجميلة وبالازدهار والسعادة للشعب الاسباني الصديق ولسكان مدريد على الخصوص. شكرا جزيلا..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الكلمة الساميةالتي ألقاها صاحب الجلالة الملكمحمد السادس بالجرف الأصفرأمام رؤساء غرف التجارة والصناعةورؤساء المكاتب الوطنيةوعدد من الفاعلين الاقتصاديين
… المعركة في سبيل بناء مغرب قوي تتوقف على تشييد اقتصاد جديد ومتين
الجرف الأصفر : الجمعة 25 شتنبر 2000
الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السيدات والسادة
إذا كان بلدنا رائدا في نهج اقتصاد السوق كأنجع سبيل للنمو الاقتصادي، فان عوائق ذاتية مرتبطة بطبيعة المقاولة المغربية وأخرى موضوعية متمثلة في غياب أو ضعف حوافز الاستثمار قد حالت دون اضطلاع القطاع الخاص بالدور المؤمل منه في مجال التنمية الاقتصادية فاتحة المجال أمام شبه قطيعة بين سلطات عمومية معيقة غالبا لحفز الاستثمار وقطاع خاص ذي نزعة ريعية أو انتظارية مناقضة لروح المبادرة الحرة.وانه ليطيب لنا اليوم أن ناتقي في هذا الجمع المبارك بممثلين عن الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين لنعلن نهاية هذا الواقع وإزالة العوائق الموضوعية التي كان القطاع الخاص يعتبرها سببا في عدم اضطلاعه بدور فاعل في الاقلاع الاقتصادي القوي الذي يتوقف عليه كسبنا لمعرفة التشغيل ومحاربة البطالة التي تشكل محور ما دعونا إليه من جهاد أكبر.وتهم الدفعة الأولى من الاجراءات التي تستهدف تحسين مناخ الاستثمار وحفزه وخفض كلفة الانتاج التخفيض في سعر الكهرباء الصناعية بنسبة 17 في المائة وتخفيضا مقاربا له بالنسبة للكهرباء الفلاحية مما سيمكن من ضخ أزيد من مليار درهم في القطاعات المنتجة.
سنحقق خلال الثلاث سنوات الأخيرة –أن شاء الله – مبتغانا المتمثل في جعل كلفة الطاقة بالنسبة للمقاولة الوطنية تماثل نظيرتها الدولية وذلك بفعل تخفيض الجبايات المفروضة على الطاقة وفتح السوق المغربية لتقوية الربط بشبكات دولية وتحسين انتاجية مؤسسات هذا القطاع على غرار محطة الجرف الأصفر التي تعد تجربة رائدة في هذا المجال. وبالنظر لما للنظام الجبائي من دور تحفيزي للاستثمار فإننا قد أصدرنا تعليماتنا السامية لحكومتنا قصد وضع اصلاح جبائي قائم على الشفافية والتبسيط والعقلانية وإعادة النظر في الجبايات المحلية بحيث تكون الغاية المثلى للجبايات تشجيع الاستثمار المنتج الذي يخلق فرص الشغل.كما أننا نحث حكومتنا على بذل كل أشكال الدعم للمستثمر والاصغاء الدائم لانشغالاته وترسيخ دولة القانون في ميدان الأعمال.واعتبارا للعناية الخاصة التي نوليها للمقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تشكل حوالي 95 في المائة من نسيجنا الاقتصادي الوطني ولدورها الأساسي في تحقيق الاقلاع الاقتصادي والاجتماعي المنشود وخلق فرص الشغل في جميع القطاعات والانشطة عصرية كانت أو تقليدية فاننا ندعوا الحكومة والبرلمان إلى الاسراع باقرار مشروع الميثاق المتعلق بها في أقرب الاجال والتعجيل باصدار النصوص المتعلقة بالجوانب الادارية والعقارية والمالية لميثاق الاستثمارات خاصة في القطاعات الواعدة للسياحة والصناعة التقليدية والتكنولوجيا الجديدة للإعلام والصيد البحري.
وعلاوة على تخفيض كلفة الطاقة والعبء الجبائي وتحسين مناخ الاستثمار وانعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة فقد قررنا التصدي لأحد معيقات الاستثمار المتمثلة في ارتفاع كلفة الأراضي وانعدام أو قلة المحلات المجهزة حيث يتولى صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تهيئ مناطق ومحلات صناعية وسياحية وتفويتها للمستثمرين بأثمنة مناسبة.
كما أن صندوق الحسن الثاني سيشرف على تمويل تحفيزية للاستثمار الخاص وانعاشه من خلال دعم قطاع النسيج وبناء 40 ألف سكن ومنشئات عامة وطرق سيارة ومساعدة مؤسسات السلفات الصغيرة لتمكينها من تمويل مائتي ألف قرض لدعم برنامج التشغيل الذاتي.ويقينا منا بأنه مهما كانت الشروط المادية والمالية والقانونية أساسية في حفز الاستثمار وخلق الاقلاع الاقتصادي المشغل فإنها تظل رهينة بتوفر المناخ الاجتماعي وعلاقات الشغل السليمة والتعاونية والتشاركية فإننا نحث الحكومة والبرلمان على الاسراع باقرار مدونة شغل عصرية مشجعة على الاستثمار والتشغيل.
كما أننا ندعو كافة الشركاء الاجتماعيين إلى إقامة سلم اجتماعي الذي يعد من مقومات الثقة في الاستثمار وحفزه منتظرين منهم الجنوح إلى الحوار المؤسسي والدائم لا الظرفي وتفضيله على غيره من أشكال العمل المطلبي وتبني أشكال حضارية عند الضرورة القصوى للتعبير عن الاحتجاج ونبذ كل الأشكال غير المشروعة لتدبير نزاعات الشغل.
ومثلما دعونا المقاولة المغربية إلى إيثار البعد الاجتماعي لتصبح مقاولة مواطنة اجتماعية فاننا ندعو النقابة المغربية إلى استيعاب ثقافة المقاولة ضمن منظور نقابة مواطنة لا للتضحية بحقوق الطبقة الشغسلة التي تحظى بسابغ عطفنا ورضانا وتقديرنا لدورها الطلائعي في معارك الاستقلالوبناء الاقتصاد الوطني والتي نوليها مكانة الصدارة في سياستنا الاجتماعية بل للاسهام بما هو معهود فيها من جد وتفان في العمل في معركة الجهاد الأكبر الاقتصادية بجهادها السلمي العفيف الذي يضع رفع انتاجية المقاولة وتحديثها وتأهيلها لخوض التنافسية والحفاظ على الشغل الكريم وتوسيع فرصه للطاقات البشرية العاطلة فوق كل اعتبار.
ذلكم هو الاطار الاقتصادي والاجتماعي الأقوم الذي نريد من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين أن يوظفوا فيه طاقاتهم الخلاقة لصالح تنمية هذا البلد الأمين.فكونوا رعاكم الله خير جنود للاقلاع الاقتصادي والاستثمار المنتج للشغل متجاوزين بدوركم العوائق الذاتية للمقاولة المغربية بروح الوطنية والمبادرة والابتكار الأقدم والمغامرة ونكران الذات والتعبئة الشاملة.وإدراكا من جلالتنا لجسامة المجهود الذي يتعين النهوض به في هذا المجال فاننا عازمون على اتخاد كل الاجراءات اللازمة لحفز الاستثمار ومصممون على مدكم بكل التشجيعات والحوافز الكفيلة بجعلكم تكسبون رهان التأهيل والتحديث والتنافسية وخلق ما يمكن من فرص الشغل لشبابنا الغالي.وإننا اننتظر من المتدخلين أن يبرهنوا على نفس العزم للسير قدما داعمين الجهود التي توليها إياهم السلطات العمومية بمبادرات موازية من ذات الأهمية.
فالمعركة في سبيل بناء مغرب قوي تتوقف على تشييد اقتصاد جديد ومتين وعصري متنوع النسيج وهي معركة موصولة الحلقات علينا خوضها بالتآزر والمتابرة في السعي وتحرير الطاقات والثقة في النفس والأمل في المستقبل. والسلام عليكم ورحمةالله ”.
************
جلالة الملكيلقي كلمة ساميةبمناسبة افتتاحالأسبوع الوطني للتضامن
الدارالبيضاء : الاربعاء فاتح نونبر 2000
“الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله وصحبه
حضرات السيدات والسادة..
إنه لمن دواعي اعتزازنا أن نفتتح للمرة الثالثة الأسبوع الوطني للتضامن وإن يقيننا في استجابة شعبنا العزيز التلقائية لندائنا بفضل ما يتميز به من صفات التضامن و التلاحم بين الأفراد و الجماعات ولتشبعه بفضائل ديننا الحنيف و خصال ثقافتنا الأصيلة المبنية على التئازر و التكافل و حرصنا على تحقيق الامال العريضة التي نعلقها على هذه العملية قد جعلنا نمعن التفكير في التخطيط لها حتى لايشوبها أي فهم سيء أو ممارسة تخرج عن أهدافها النبيلة.
ومن ثمة جاء تفعيلنا للتضامن “في إطار مؤسسة محمد الخامس” مستجيبا في ان واحد لبلورة هذه التقاليد الأصيلة والامال العريضة ولإرادتنا الراسخة في إشاعة ثقافة جديدة للتضامن قوامها سياسة اجتماعية و تنموية تطوعية تنبني على الشفافية في التسيير و العقلانية المنهجية و المصداقية في إعداد المشاريع وإنجازها و التتبع الحثيث لاستمرارية و فعالية مردوديتها.وعندما أنشأنا هذه المؤسسة فإننا قد توخينا من ذلك إحداث هيأة نسعى من خلالها إلى تفعيل العمل الإجتماعي وتجسيد تصورنا له على أرض الواقع لا إحداث جهاز بديل عما هو مناط بمختلف أجهزة الدولة والمؤسسات العمومية المكلفة بالحماية والتغطية الإجتماعية من مهام أومنافسة الفاعلين الإجتماعيين الاخرين.فإشرافنا المباشر على مؤسسة محمد الخامس للتضامن لا يميزها عن غيرها من الفاعلين المنتمين للمجتمع المدني. بل إنها تعتز بمشاركتهم المساهمة في الفضاء الرحب للعمل الإجتماعي و التعاون مع عدد من الجمعيات من أجل النهوض به لصالح الفئات الضعيفة و إعطائه ديناميكية أكبر.
إن ما حالف أسبوعي التضامن للسنتين الماضيتين من نجاح كبير بفضل التعبئة الشاملة والإنخراط العريض و الصادق للمواطنين لتحقيق أهدافهما النبيلة قد كان حافزنا إلى التخطيط لاستراتيجية طويلة المدى تهدف إلى مساهمة مؤسسة محمد الخامس للتضامن في محاربة بؤر الفقر و التهميش وسن برامج للتنمية المستديمة وتعزيز أنشطة الفاعلين الإجتماعيين ومساندتهم ماديا ومؤسسيا وتوسيع نشاط المؤسسة ليشمل مجالات جديدة للتنمية الإجتماعية.
وهكذا فضلا عن الاعتناء بدور الأطفال اليتامى منهم والمعوزين ودعم عدد كبير من المؤسسات الاجتماعية فقد أنجزت مؤسسة محمد الخامس للتضامن برامج مختلفة لصالح الفتيات والنساء والقرويات مساهمة بذلك في تقوية البنية الاجتماعية الأساسية و تمكينها من مؤهلات توفر لها موارد قارة.
حضرات السيدات و السادة.. علاوة على البرامج التي هي في طور الإنجاز فقد شرعت مؤسسة محمد الخامس في بلورة مشاريع هامة لصالح الأشخاص المعاقين مستهدفة بذلك تأهيل و إدماج عدد مهم منهم. كما تم التخطيط لبرنامج عريض لفائدة فئة من الطلبة الجامعيين المحتاجين.وإننا لنأمل أن تحذو حذو هذا البرنامج الطموح فعاليات أخرى لنتمكن جميعا من توفير إقامة لائقة و كريمة لهذه الفئة من الشباب العزيزة علينا تسمح لهم بمتابعة دراستهم في ظروف أكثر ملائمة.ونود في هذا الصددأن ننوه بالمساهمة المخلصة والفاعلة لشركاء المؤسسة على مختلف أنواعهم من إدارات و مؤسسات عمومية و جمعيات و خواص تلكم المساهمة التي مكنت مؤسسة محمد الخامس للتضامن من النهوض بمهامها و برامجها و مشاريعها الدائمة منها أو الظرفية.وإننا لفخورون بأن إنجاز برامج ومشاريع المؤسسة قد تحقق بفضل المساهمة المادية السخية لالاف المولطنين داخل المغرب و خارجه مما جعلها في غنى عن أي اعتماد على الموارد المادية للدولة سائلين الله العلي القدير أن يثيب ويحسن أجر كل من ساهم بقليل أو كثير في الدعم المادي أو المعنوي للأهداف النبيلة للمؤسسة.
كما لايفوتنا أنم ننوه بجميع أعضاء مجلسها الإداري الذين بذلوا جهودا دؤوبة و مخلصة لإنجاز المشاريع ومتابعتها رغم ما لهم من انشغالات عديدة مشيدين بجميع المبدعين الفنانين منهم و الرياضيين والفاعلين الجمعويين سؤ منهم المقيمون على أرض الوطن أو خارجه الذين ساهموا في التعريف بأهداف هذه العملية التضامنية خاصة والعمل الإجتماعي للمؤسسة عامة.
فهذه المساهمة العديدة و الكثيفة لاتزيدنا إلا عزما على مضاعفة الجهد في مسار النضامن و الدفع قدما بقاطرته لتصل و تشمل أوسع ما يمكن من رعايانا الأعزاء الذين يعانون الخصاصة و الإقصاء و ما ذلكم على همتنا جميعا بعزيز.
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته“.
*******************
الكلمة الساميةالتي ألقاها جلالة الملك بمناسبة استقبال جلالتهلأعضاء المجلس الاستشاريلحقوق الانسان وأعضاء هيأة التحكيم المستقلةللتعويض عن ضحايا الاختطافوالاعتقال التعسفيوذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان
الرباط : السبت 9 دجنبر 2000
“الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه حضرات السيدات والسادة..
لقد عاهدنا شعبنا الوفي منذ اعتلائنا عرش أسلافنا الميامين للسير على نهجهم القويم في جعل العدل قوام نظام حكمنا ومبتغاه وباستكمال بناء الدولة العصرية للحق والقانون والمؤسسات التي أجمعت الإرادة المشتركة لكل من جدنا ووالدنا المنعمين الملكيين محمد الخامس والحسن الثاني قدس الله روحيهما وكافة مكونات الأمة المغربية على تشييدها في نطاق ملكية دستورية ديمفراطية واجتماعية قائمة على التشبث بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا.واعتبارا لكون صيانة حقوق الإنسان وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها تعد أمانة دستورية من صميم مهامها السامية فقد ألينا على نفسنا مواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان وتعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي حقوق.
كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية للتنمية مترابطة في أبعادها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.وما لبثنا أن أحدثنا هيأة مستقلة للتحكيم انكبت على تعويض أضرار الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي.ونود بهده المناسبة أن نعرب عن كبير تنويهنا بما تحلى به أعضاؤها من حكمة و تجرد و موضوعية فبي معالجتهم لقضية شائكة مؤكدين عزمنا الراسخ على تعزيز هذه الهيأة بجميع الوسائل المادية و البشرية من أجل الطي النهائي العادل والمنصف والحضاري لهدا الملف وتعبئة كل الطاقات لاستكمال بناء دولة الحق والقانون الذي يعد خير حصانة ضد كل أشكال التجاوزات.
حضرات السيدات و السادة..
لقد ساهم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي نسعد باستقبال أعضائه وأعضاء الأجهزة المنبثقة عنه في هذا اليوم المبارك منذ إحداثه من قبل والدنا المنعم قدس الله روحه قبل عشر سنوات خلت من خلال آرائه الاستشارية النابعة من فضائل الحوار و النزاهة و التمسك بالحق و الإنصاف في مساعدة خديم المغرب الأول على صون الحقوق المدنية والسياسية وأضحى لبنة أساسية في النسيج الموسساتي الوطني و مؤسسة محترمة على الصعيد الدولي.وأننا لنعرب لجميع أعضائه عن سابغ رضانا وعظيم مسرتنا بما راكمه من رصيد إيجابي في هذا الشأن.
وفي نطاق سعينا الدائب لتحديث و عقلنة كل المؤسسات وتأهيلها لرفع تحديات مغرب القرن الحادي و العشرين و تفعيلا لما أعلنا عنه في خطاب العرش من إعادة النظر في الظهير الشريف المؤسس للمجلس فإننا نغتنم مناسبة تخليد ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كي نبرز التوجهات الكبرى التي استقر عليها نظرنا في ما نحن مقبلون عليه من إصلاح يتوخى توسيع اختصاصات المجلس و تجديد تركيبته و عقلنة طرق عمله و تأهيله على نحو أفضل لترسيخ الحقوق المدنية و لسياسية وإيلاء الأهمية الكبرى للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
ولهذه الغاية يتعين توسيع صلاحيات المجلس لتشمل علاوة على القضايا التي نعرضها عليه للاستشارة التصدي لحالات خرق حقوق الإنسان و تقديم توصيات بشأنها و بحث ملائمة التشريع الوطني مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ونشر ثقافتها وتيسير التعاون الدولي للمملكة في هذا المجال فضلا عن الاعتناء بحقوق رعايانا الأوفياء المحتجزين بتند وف و رفع الحصار عنهم والتنسيق مع الهيات المماثلة المختصة الأجنبية من أجل صيانة كرامة المغاربة المهاجرين.
*************
الكلمة الساميةالتي ألقاها صاحب الجلالةخلال تنصيب المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية
تطوان : الجمعة 15 دجنبر 2000
“الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول وآله وصحبه حضرات السادة….
في غمرة المباهج والإشراقات الروحية لشهر الصوم الكريم يسعدنا ونحن في مدينة تطوان العريقة أن ننصب المجلس العلمي الأعلى الذي نرأسه والمجالس العلمية الإقليمية التي تنتظم تحت إشرافنا.وإذا كنا في هذا نسير على سنة أسلافنا الميامين ونواصل نهج والدنا المقدس جلالة الملك الحسن الثاني رضوان الله عليه في العناية بالعلم ورعاية العلماء وإقامة المؤسسات العلمية فإننا نسعى إلى بعث جديد لهذه المجالس حتى تواكب التطور الذي يعرفه المجتمع المغربي وما نتطلع إليه من إصلاح وتغيير.
إننا نريد من مجالسنا العلمية أن تكون مجالا رحبا يتيح للعلماء أن يؤدوا رسالتهم الدينية والوطنية بدءا بتأطير المواطنين والمواطنات أينما كانوا لتحصين عقيدتهم وحماية فكرهم وإنارة عقولهم وقلوبهم بما يجعلهم مؤمنين ملتزمين بدينهم ومقدسا تهم غير مهددين بتيارات التشويه والتحريف.وهذا يقتضي توسيع نطاق الوعظ والإرشاد والدروس التوجيهية والمساهمة الفاعلة في عملية محو الأمية التي أمرنا بفتح المساجد لها والمواظبة على تنظيم دورات تكوينية للقيمين الدينيين بتنسيق مع وزارتنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية مع ضرورة الاهتمام بالمرأة وإشراكها في المجالات الحيوية التي هي جديرة بالإسهام فيها.وحتى تتحقق الغايات الإيجابية التي نتوخاها من رسالة المجالس العلمية فإن عليها أن تكون القدرة والمثال وأن تعكس روح الإسلام القائمة على الوسطية والإعتدال والداعية إلى التعارف والتعاطف والتراحم مما يتطلب اعتماد منهج الحوار والإقناع والتبليغ بالتي هي أحسن وكذلك العناية إلى جانب الفروض والطاعات بقضايا السلوك والمعاملات وما يحث على نشر الفضيلة ويقوي الإيمان بالمقدسات مع التركيز على التسيير والابتعاد عن التسيير مصداقا لقول الله عز وجل..”يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر“.ولن يتسنى لهذا العمل التربوي التأطيري المجتمع أن يكتمل إلا إذا كانت المجالس حاضرة في مختلف الميادين العلمية والاجتماعية ليتجلى دورها في المسجد والنادي وأجهزة الإعلام والمؤسسات الثقافية عامة إضافة إلى مقراتها التي ينبغي أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين والمواطنات للإجابة على أسئلتهم المتعلقة بمعرفة دينهم وتطبيقه في حياتهم الخاصة والعامة والتوفيق بينه وبين مستجدات العصر.
إننا لنرى أن تنهض المجالس العلمية بأمانة الإفتاء في النوازل الطارئة وأن تنكب على هذه المهمة الملحة والعسيرة بروح جماعية يمكن الوصول بها إلى إجماع في الرأي بعد العرض على المجلس العلمي الأعلى.وبذلكم يمكن للمجالس أن تساهم في إيجاد نهضة علمية وأن تقدم صورة حثيثة عن الإسلام وتواجه الضلالات وأن ترفع التحديات.
حضرات السادة..
لقد كان المغرب خلال تاريخه الحافل المجيد حصنا منيعا وقلعة عالية للإسلام وإننا لحريصون على أن يبقى كما كان البلد الذي يتمثل فيه الدين راسخا قويا باعتباره أساس مكونات هويتنا ومقومات شخصيتنا في تشبثنا بالمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وطريقة السلوك السني الهادف إلى تقويم النفوس وتنقية الضمائر مما كفل لبلادنا وحدتها وطمأنينتها، وإن العلماء الذين هم النواب عن أمير المؤمنين في تبليغ أحكام الشرع كانوا على مدى العهود ومازالوا في طليعة بناة الوطن وحراس كيانه والمدافعين عن مقدساته خداما للعرش الذي هو الدعامة والضامن لاستمرار الأمن والاستقرار وكانون بصدق وإخلاص ولاء ووفاء وبمساندة عفوية وتلقائية متجاوبين مع ملوكه الذين هم حماة الوطن والدين ورموز الشرعية والسيادة.
إننا ونحن ننصبكم أعضاء في المجلس الأعلى ورؤساء وأعضاء المجالس العلمية الإقليمية نحملكم مسؤولية دينية ووطنية سامية ولنا اليقين أنكم بعون الله وتوفيقه ستنهضون بها على النحو الذي به تبلغون ما نطمح إليه من غايات، “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”.صدق الله العظيم،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
المصدر : https://telegraafm.com/?p=20511