عبد الرحيم الفقير الادريسي في مدونات Pers : بالعربية والفرنسية والهولندية telegraafmpers@gmail.com … Aljazirapress@yahoo.nl
****************************
نص الحديث الصحفي الذي خص به جلالة الملك صحيفة ” نيهون كيزايي شيمبون” اليابانية
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
طوكيو: الأحد 27 نونبر 2005
سؤال: ما هو تقييمكم للعلاقات بينالمغرب واليابان بعد خمسين سنة من إرساء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؟
جواب جلالة الملك… اسمحو لي أولا أن أعرب عن سعادتي لكون زيارتي تتزامنمع تخليد الذكرى الخمسينية لاستقلال المغرب، وهو ، كما تلاحظون، عمر علاقاتناالدبلوماسية. إن ما يجمعنا لا يقتصر على تبادل السفراء قبل خمسين سنة. إن التقاليدالعريقة لبلدينا تعطي لعلاقاتنا عمقا تاريخيا فريدا من نوعه على الساحة الدولية. وبقدر ما طورنا، كل من جانبه، إرثنا الحضاري بقدر ما كان طموحنا نحو الانفتاح علىباقي العالم. لقد كانت انشغالاتنا واحدة. فعلى سبيل المثال، في القرن ال 19 كان جديمولاي الحسن الأول، وعيا منه برهانات الثورة الصناعية، قد أوفد عدة بعثات لتلقيتكوين في أوربا على المفاهيم الجديدة للإنتاج في تلك المرحلة. وفي الوقت ذاته قامالامبراطور مايجي بنفس الخطوة تحذوه الرغبة ذاتها. وكما ترون فإنه رغم البعدالجغرافي ، فإننا نقتسم نفس الطموحات بالنسبة لبلدينا، وكذلك نفس قيم الحواروالاعتدال والانفتاح دون أن نتخلى قط عن هويتنا الخاصة. وأعتقد أن هذه النقطالمشتركة، في عالم مضطرب جدا كالذي نعيش فيه اليوم، لها أهمية قصوى أكثر من أيمؤشرات نقيم من خلالها عادة وضعية العلاقات بين دولتين. وفضلا عن ذلك، فالأرقامتعتبر جد مشجعة في مختلف الميادين. فاليابان تأتي في المرتبة الثانية كمانح للدعمالعمومي للتنمية في المغرب وفي المرتبة السابعة من بين الدائنين على المستوىالثنائي. وعلى المستوى السياسي، فأنا أثمن كون بلدينا لديهما موقف موحد بخصوصالقضايا الكبرى التي تشغل العالم كمحاربة الفقر والحوار شمال – جنوب ومسلسل السلامبالشرق الأوسط والإرهاب.
سؤال: ما هو الهدف المتوخى من الزيارة التي تقومبها جلالتكم إلى اليابان، البلد الذي زرتموه مرتين عندما كنتم وليا للعهد ؟
جواب جلالة الملك… أقوم اليوم بزيارة لهذا البلد بشعور مفعم بالسعادةوالاهتمام، بالنظر إلى الدينامية الاستثنائية التي تطبع اقتصاد بلدكم. إن هذهالدينامية التي تنضاف إلى طموحاتنا وكذا إلى المؤهلات المتعددة التي يمنحها المغرب،كفيلة بأن ترفع علاقاتنا الاقتصادية والتجارية إلى مستوى فريد من نوعه بالمنطقة. كذلك فإننا نشجع المستثمرين اليابانيين لتعزيز حضورهم بالمغرب لاسيما وأن هناكإطارا للتعاون يتضمن العديد من الامتيازات. بالطبع ، يمكن إعادة النظر فيه وتطويرهباستمرار خلال الاتصالات الثنائية من مستوى عال التي نأمل في أن تتضاعف فيالمستقبل. وعلى الصعيد السياسي، فإننا بالطبع سنتشاور حول مختلف القضايا التي تدخلفي دائرة انشغلاتنا. وفي هذا السياق، نأمل في أن تضطلع اليابان بدور أكثر أهمية علىصعيد الهيئات الأممية. إن خطورة الأحداث في العراق، حيث يجب أن تسود سيادة ووحدةهذا البلد، تعنينا جميعا وأنه يتعين الإسراع بالمسلسل الانتقالي. وبالطبع، سنتطرقإلى آخر تطورات الوضع بمنطقة المغرب العربي وإفريقيا و منطقة حوض المتوسط. كما أنقضية الشرق الأوسط والظلم الذي يلحق يوميا بأشقائنا الفلسطينيين يوجد أيضا على جدولالاعمال.
سؤال: فعلا،يا صاحب الجلالة، لقد كان المغرب وما يزال فاعلاأساسيا في مسلسل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ماهي، في الوقت الراهن،شروط تسريع هذا المسلسل، والوصول به إلى أهدافه في المدى ؟.
جواب جلالةالملك… توجد، طبعا، مجموعة من الشروط، لكن أعتقد أنها لا يمكن أن تعطي ثمارها إلابالعودة إلى الحكمة والاعتدال اللذين تركا مكانهما للتشدد في الردود والمواقف. وأعتقد اليوم، أنه بعد مرحلة انقطع فيها الحوار فعلا بين مختلف الأطراف، فإننانعاين دينامية وروحا جديدتين ، هشة إلى حد ما، لكنها مشجعة. فحينما بعثت برسائللرؤساء فلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة لتهنئتهم على الجهود التي مكنت منالانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، وهو ما شكل مرحلة هامة في تفعيل خارطة الطريق،كنت بذلك أعرب عن دعمي لهذه الدينامية. والآن وبعدما تحقق الانسحاب، يتعين تسويةالقضايا العالقة، التي يشكل حلها نجاحا لفترة ما بعد الانسحاب، هناك على الخصوصحرية تنقل الفلسطينيين و تحسين الوضع الاقتصادي والحياة اليومية للفلسطينيين ، حيثتعيش الغالبية العظمى منهم في ظل ظروف مزرية. فعلى المجموعة الدولية أن تضاعف منجهودها لتعزيز هذا المكتسب، لأنه لا يغيب أن أذهاننا بأن الهدف هو إقامة دولةفلسطينية مستقلة وقابلة للحياة وديمقراطية تعيش في سلام ووئام إلى جانب إسرائيل. ومرة أخرى، فإن الوتيرة والظروف التي بها سنحقق ذلك تتوقف على مدى نهجنا سبيلالحكمة. وبالنسبة إلي، فإنني سأساهم بكامل عزمي الراسخ لبلوغ ذلك.
سؤال : يهدد الإرهاب أمن العالم، فكيف يواجهه المغرب، وماهي الوضعية الخاصة في المغرببالنسبة لهذا الأمر ؟
جواب جلالة الملك… أنت تعرف جيدا إلى أي حد المغاربةمعنيون مباشرة بهذه المسألة. لقد كنا ضحايا وأوذينا في أعماقنا بفعل وحشيةالإرهابيين خلال الاعتداءات التي وقعت في 16 ماي 2003 بالدار البيضاء . و أذكركأيضا بأن إثنين من مواطنينا بريئين تم اختطافهما في 20 أكتوبر الماضي بالعراق. وقددأب المغرب دائما وبأكبر قدر من الصرامة على إدانة الإرهاب كيفما كانت دوافعه. ثمإنه لا يمكن قبول أي تبرير للعنف الأعمى. واتخاذ الدين ذريعة من قبل بعض الجماعاتالإرهابية للقيام بأعمال عنف من هذا القبيل، ينبغي أن يحارب، وتحديدا لحماية أحدرسائل الإسلام الأساسية وهي التسامح وقبول الآخر. ولقد جعلت منا هويتنا العربيةالأمازيغية الإسلامية شعبا منفتحا على نحو فريد، فخورا بثقافته وتقاليده. وإننانعتز بهويتنا، وفي كل مرة نصاب فيها، كما هو الأمر اليوم مع الاختطافين اللذين وقعافي العراق، ينزل المغاربة بمئات الآلاف إلى الشوارع ليجددوا التأكيد، على الشعوربالإعتزاز هذا، وللتنديد بالإرهاب. وأعتقد أن خير وقاء من الإرهاب هي قدرتنا علىالتعبئة بطريقة سلمية بالطبع في كل مرة تبدو لنا فيها قيمنا في خطر مع احترام القيمالديمقراطية التي يتعلق بها المغرب أشد ما يكون التعلق. أما الوقاء الثاني فهوالتنمية الاقتصادية والتناغم الاجتماعي الديناميين بما فيه الكفاية لتقليص جيوبالإقصاء والتهميش. ويشمل ذلك أيضا إصلاحات الحقل التعليمي والحقل الديني التيحاولنا تسريع وتيرتها والتي تعطي اليوم نتائج جيدة للغاية. وأخيرا يمكنني القول أنقيمنا وعزمنا، كيفما كان الألم أو عنف الأحداث، هي أفضل أسلحتنا في مواجهةالمتطرفين.
سؤال: كما أشرتم إلى ذلك، ياصاحب الجلالة، فإن المغرب قامبإصلاحات واسعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كيف تنظرون جلالتكم، ونحن في نهاية سنة 2005، للنتائج المحققة وما الذي يمكن أن يتم إنجازه فيالمستقبل؟
جواب جلالة الملك… أنتم تعلمون أنه عندما اعتليت العرش كانت كلالقضايا تمثل أولوية بالنسبة لي، فوالدي جلالة الملك الحسن الثاني تغمده اللهبرحمته، فتح جزء كبيرا من أوراش المغرب المستقل والعصري. وعندما أرى العمل الجبارالذي قام به، أشعر، كباقي المغاربة، بكثير من الإعجاب والفخر تجاهه. فأنا أعمل ليسفقط على تعزيز ما تحقق في الملفات التي فتحها والدي كالملف المتعلق باحترام حقوقالإنسان وخصوصا من خلال إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة الانتهاكات التيارتكبت في الماضي بل أيضا من أجل إنجاز سريع للأوراش الجديدة التي تم إطلاقها فيالسنوات الأخيرة: محو الأمية وإصلاح الحقل الديني والتأمين الإجباري على المرضوإصلاح القضاء وتمدرس الفتيات وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فضلا عنالمشاريع البنيوية الكبرى كميناء طنجة المتوسط أو مشروع أبي رقراق بالرباط أوالمناطق السياحية الكبرى التي ستخلق مئات الآلاف من مناصب الشغل. وهناك، أيضا،إصلاح مدونة الأسرة، وهو إصلاح له مكانة خاصة عندي، لأنه جعل من المغربيات اليوممواطنات بمعنى الكلمة، وقد استقبلته كل مكونات المجتمع المغربي بشكل إيجابي. إنالقيام بهذا الإصلاح كان إنصافا للمرأة ، وأعترف أنه شكل مصدر ارتياح كبير بالنسبةلي. وفي الآونة الأخيرة أطلقنا “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” وهو برنامج واسعيهدف إلى إعطاء دفعة قوية للتنمية السوسيو اقتصادية من خلال تحفيز الاندماج فيالنسيج المنتج بالنسبة للشرائح الأكثر تهميشا من الساكنة. إنه حل واقعي وملموسلإشكالية تقع في صلب الانشغالات الدولية. ومن هذا المنطلق فإن الاهتمام الذي أبداهشركاؤنا الأجانب مهم جدا خصوصا وأن النموذج الذي اعتمدناه يأخذ بعين الاعتبارخصوصياتنا وحجم وسائلنا. إنه إصلاح طموح وبطبيعة الحال سأقدمه لمحاوري من الجانبالياباني. وفي الحقيقة فإنهم كانوا دائما حاضرين إلى جانب المملكة لمواكبتها فيتنميتها وأنا أشكرهم على ذلك. بطبيعة الحال هناك أشياء كثيرة أخرى يتعين إنجازها،لكنني أعتقد أنه بفضل قناعاتنا وتعبئة حكومتنا، وكل هيئات المجتمع المدني النشيطةفي كل المجالات، فإن من حق المغاربة أن يكونوا متفائلين وذلك بالرغم منالصعوبات.
سؤال: يوجد الاندماج المغاربي في وضعية سبات، ما هي آفاق إعادةإطلاق هذا المسلسل من وجهة نظر المغرب ؟
جواب جلالة الملك… المغرب هو أولمن يتأسف لهذه الوضعية، وإن خيبة أملنا أكبر بالنظر إلى أن المعاهدة المؤسسة لاتحادالمغرب العربي، تم التوقيع عليها في المغرب، بمراكش سنة 1989. وبما أنني كنت شاهداإلى جانب والدي الراحل، على ميلاد اتحاد المغرب العربي، فإنني أتذكر دائما الآمالالعريضة التي خلقها التوقيع على المعاهدة لدى شعوب بلدان المنطقة الخمس، التيتجمعهم روابط عميقة مشتركة على صعيد التاريخ والدين واللغة والمصير، والتي تشكلمجتمعة مؤهلات اقتصادية هامة ستمكننا من مواجهة العولمة بشكل أفضل وكذا التموضع فيشراكة قوية وذات مصداقية إزاء مجموعات إقليمية أخرى كالاتحاد الأوروبي. وللأسف، فإنمسلسل البناء المغاربي مازال على الخصوص، رهين، النزاع حول الصحراء الذي ما زالتالمواجهة فيه مستمرة بيننا وبين جارتنا الجزائر، والذي هو في واقع الأمر من مخلفاتالحرب الباردة والمواجهة بين المعسكرين السابقين. إننا سنبقى متشبثين باتحاد المغربالعربي، وقد عبر المغرب على الدوام عن استعداده للحوار في إطار الأمم المتحدة، ولحل سياسي لهذا النزاع من خلال حكم ذاتي نهائي يحترم سيادة المغرب ووحدته الترابية. وآمل أن تنخرط الجزائر في دينامية السلام هذه من أجل إعادة إطلاق البناء المغاربيعلى أسس سليمة وواضحة
المصدر : https://telegraafm.com/?p=17180